روح شاكست الحياة وتمردت عليها حتى انتصرت، سأروي قصة الابن الثاني الذي أقبل على الدنيا مختلفا، متفردا ونادرا، وكعادة بني البشر، لا نعرف كيف نتعامل مع المميز والمختلف، نتنمر عليه فيتمرد علينا، بين شد وجذب، ينبت كشجرة فارعة بطولها، شامخة بذكاءها وطموحها، علي بن عبدالله العمري، عاش طفولته في ولاية إزكي التي ولد فيها عام 1986م، وحتى التاسعة من عمره حين اتخذ والده قرارا مصيريا أجبره على ترك حضن الأم ووداع الأخوة والأخوات، هنا بدأت تتشكل حياة الكفيف الذي وجد لنفسه حياة أخرى، عاشها بكل ما فيها من تحديات، ذاق المر حتى استلذ بطعم النجاح، حدثنا عن سر الشغف الذي نمى في داخله حتى بات حلما .. فهل تحقق هذا الحلم؟ حدثنا العمري في السطور الآتية ..
حوار: أنوار البلوشية
صدمة وذهول واستغراب، هكذا استقبل والديَّ خبر ولادتي بعد علمهم بأني كفيف البصر كليا، فقد كانت مفاجأة وصدمة كبيرة لعائلتي التي لم تمر بمثل حالتي من قبل، دخلوا في متاهة وسط الكثير من التساؤلات حول الأسباب التي أدت لهذا الأمر، والقلق حول كيفية مواصلتي العيش دون القدرة على النظر، ففقدان البصر منذ الولادة كان أمرا غريبا عليهم.
مرت الفترة المبكرة من طفولتي وأنا بين يدي عائلتي التي كانت تدور بي في مستشفيات السلطنة بحثا عن علاج، حتى أتى النفي القطعي من قبل الأطباء بعدم وجود علاج لحالتي. ثم قام المحيطون بنا من معارف وأصدقاء بإسداء النصح للتوجه بي إلى مستشفيات خارج السلطنة بحثا عن العلاج، حيث الطب متقدم في البلاد الأخرى ولابد من وجود حل، ولكن لم يستجب والدي آنذاك، وعشت طفولتي بين أقراني وأنا كفيف البصر.
المحتويات
طفولة متمردة وشقية
كان الوالد كثير التنقل بحكم عمله في السلك العسكري، فوالدتي هي من كانت بقربي طوال الوقت، لم تكن ذات خبرة في التعامل مع أشخاص كفيفي البصر، ولكن فطرة الأمومة كانت كفيلة بمدها القوة والدافع لتربيتي وتلبية احتياجاتي على أكمل وجه، فقد اجتهدت معي كثيرا، لم أكن طفلا وديعا، أخذت من الشقاوة نصيبا وافرا، وأصبحت صعب الضبط، ولدت لدي فكرة التمرد منذ سن مبكرة جدا، تمردت على كل النصائح بعدم الخروج وعدم الاقتراب من الخطر، فقد نشأت مع أطفال آخرين أقربائي وكنت ألاحظ حريتهم في التنقل والخروج للتجول ولعب الكرة في الحارة، كنت لا أدرك سبب منعي من هذه الحرية التي يتمتع بها أبناء عمي، رغم الاخفاقات وعدم الاستفادة من عنادي كنت أصر على الخروج، أضيع في الأزقة ولا أدل الطريق للرجوع مرة أخرى، في إحدى المرات سمعت أن الأولاد يقودون الدراجات الهوائية فأصررت على حصولي دراجة هوائية، عندما أخبرت والدي برغبتي في ذلك، لم يقتنع فغضبت، ولكن بعد المفاوضات قرر أن يجلب لي الدراجة الهوائية ولكن بشرط أن لا أخرج بها من المنزل، فوعدته بعدم الخروج، ولكن كانت نيتي مختلفة تماما، كنت أخرج في الشارع ومن رحمة الله الذي حفظني من الوقوع في الحوادث.
كنت مشاكسا جدا، وأتسبب بالمشاكل مع الأطفال الآخرين، فهم لم يكونوا بذلك الوعي الذي يجعلهم يدركون حالتي، وبسبب المضايقات التي كنت أتعرض لها، كنت أدافع عن نفسي ودائما ما كانت المشاجرات تدب بيني وبين أولاد الحارة. وكنت ألعب بالأجهزة الكهربائية، وعندما دخل جهاز المسجل منزلنا لم يسلم من عبثي الطفولي الشقي، حتى أصبت بالتماس كهربائي في إحدى المرات، ناهيك عن المواقف مع النار والأدوات الخطرة التي لم أسلم منها لولا حفظ الله، وجهود والدتي في حمايتي. إخوتي كان لهم دور كبير في تعايشي مع بيئتي، سادت بيننا أجواء من الألفة والتعاون، أخواني الأولاد لهم دور كبير في حياتي، بمصاحبتي معهم، وكذلك أخواتي، كانوا جميعهم سندا لي، وأخي الصغير خدمني بشكل كبير.
بداية تجربة جديدة
في عام 1992 حيث بلغت التاسعة من عمري، سمع والدي عن طبيب روسي متخصص قدم إلى دبي، حيث نصحه المحيطين بأن يذهب للاستشارة والأخذ بالكلمة الأخيرة والتشخيص النهائي حول حالتي، فكان رد الطبيب سلبيا، حيث لا يوجد علاج لحالتي في الفترة الحالية. هنا حسم أبي الأمر وقرر بأن السعي نحو العلاج وضياع الوقت غير مجدي، ويجب التفكير والمضي قدما لإيجاد الطريقة المناسبة حتى أتلقى التعليم المناسب وأستطيع الاعتماد على نفسي.
بدأت مرحلة مختلفة هذه المرة، خرجنا من دائرة البحث عن علاج إلى البحث عن مركز متخصص لتدريس المكفوفين، استعلم والدي بأن الحكومة تبعث المكفوفين للدراسة في البحرين، بالرغم من رفض والدتي وجدتي إلا أن والدي أصر على إلتحاقي بالمدرسة الداخلية، فهو عن قناعة بأني يجب أن أتعلم حتى أستطيع الاستمرار في الحياة، لم يكن الأمر بالسهولة على عائلتي، ولكن من ناحيتي كنت متقبلا للفكرة وعلى استعداد لخوض التجربة، فقد كنت أشعر بأن التعليم هو الأمر الوحيد الذي لم أستطع التمرد للحصول عليه. كان الابتعاث على حساب حكومة السلطنة بكافة المصاريف بعثة مدفوعة كليا مع التذاكر والمكافأة الشهرية وغيرها، حيث كنا مجموعة، نذهب ونمكث هناك طوال الفصل ونأتي للزيارة وقت الإجازة عند انتهاء الفصل الدراسي. فالتحقت بالمعهد السعودي البحريني للمكفوفين، فقد كان يشكل مقرا يجمع كل الطلبة المكفوفين من دول الخليج كافة.
البحرين ورحلة التعلم
وطأت قدمي أرض البحرين، وشعرت بغصة في قلبي، ففي الأيام الأولى لم أتأقلم مع الوضع وحسبت بأني لا أستطيع الاستمرار والمواصلة بعيدا عن عائلتي، فالغربة صعبة في أي مكان كان الإنسان، الابتعاد عن الجو الأسري صعب جدا، وكذلك قلق عائلتي علي. ولكن تحملت الصعوبات وواجهت التحديات ولله الحمد تسهلت حياتي كثيرا، إن لم أكن قد التحقت بالتعليم في البحرين لكانت حياتي الآن أصعب بكثير، هناك نضجت شخصيتي وتحملت المسؤولية بنفسي، وانخرطت في مجتمع مختلف تماما، يجمعني بغيري من المكفوفين، وكذلك المعلمين والعاملين في المركز اعتادوا التعامل مع المكفوفين، كانت خطوة ساعدتني كثيرا في صقل مهاراتي، تعلمت القراءة بطريقة برايل، وتعلمت الطباعة على الكمبيوتر، المدرسين يجتهدون كثيرا في تعليمنا، حتى أدق الأمور مثل الهندسة والرياضيات كانوا يحرصون على أن نتعلمها.
ولكني لم أكف يوما عن المشاكسة، بل أصبح الأمر أشد، لم تخلو لحظاتنا من الهروب عن الفصل وتدبير المقالب على المعلمين، والكثير من الشقاوة والضحك. اكتسبت رفقة طيبة، وهم أصدقاء الطفولة ولازلنا مع بعض حتى الآن. شاركت في الأنشطة الطلابية التي صقلت مهاراتي، في التمثيل والرياضة والموسيقى، لعبة “كرة الجرس” كنت أتقنها وأتفوق فيها، هي أشهر لعبة في العالم للمكفوفين، تقام على إثرها البطولات العالمية، كنا نمثل المعهد في البطولات المحلية، وأيضا كنت أشارك في أنشطة الموسيقى، وفي الأعياد الوطنية للبحرين وعمان مع الطلبة الخليجيين الآخرين، إلى جانب مشاركتي في الأنشطة الثقافية، كنت متفوقا على مستوى المعهد في القراءة والالتزام بالتواجد في المكتبة، كانت لدينا مكتبة خاصة بلغة البرايل، أحضروا كتبها من مصر والكويت، كنت أقرأ الكتب الدينية والفلسفة، وكتب الرحلات والمخابرات، درست 9 سنوات حتى الصف الثالث الإعدادي، حتى حان موعد الوداع، بسبب عدم تواجد صفوف الثانوية العامة الخاصة بالمكفوفين في البحرين.
مرحلة شاقة وصعبة
شددت رحالي وعدت إلى أرض الوطن، ولكن بشهادة لم تكتمل بعد، ولم يرتوي معها الشغف واللهفة في تلقي العلم، لذا خططت للإلتحاق بالسعودية، حيث تتوفر مراكز للصفوف الثانوية، تأخر قبولي للدراسة في السعودية، فاضطررت الالتحاق بمدرسة عمر بن الخطاب في ولاية إزكي لدراسة الصف الأول الثانوي، حتى حين قبولي للسفر وإكمال الدراسة. هنا عشت تجربة فريدة ومختلفة، لأول مرة أدرس مع المبصرين ولا يوجد منهج خاص بلغة برايل، كانت مرحلة صعبة جدا بالنسبة لي وللمدرسين كذلك، اجتهدت كثيرا وكافحت، وأخواتي كن يقمن بتسجيل الدروس حتى أستطيع مراجعتها، فلم تكن أي وسيلة أخرى ممكنة للمذاكرة. شاركت في أنشطة المسرح، والشعر، كنت بحاجة إلى أن أثبت وجودي في أي مجال متاح لي، شاركت في الأنشطة لإبراز هويتي وشخصيتي، كنت في تحدي مع نفسي ومع المجتمع.
نحن المكفوفين ننسجم مع بعضنا البعض بشكل أكبر، فاهتماماتنا مشتركة، ولكني لم أكن منعزلا عن المجتمع، كنت أصاحب والدي في المناسبات الاجتماعية، فوالدي كان حريصا على أن أندمج مع الآخرين، لم يكن يتثاقل في اصطحابي، أنا أدين لوالدي بالكثير فهو من أمن مستقبلي بقرار ابتعاثي للتعليم، واندماجي في المجتمع، بالرغم من صعوبة الوضع لهم ولي، ثقة والدي بي ساعدتني على تحمل المسؤولية وعدم الاتكالية. أكملت العام الدراسي في السلطنة بنجاح ثم سافرت إلى السعودية لإكمال الصف الثاني والثالث الثانوي، التحقت بمعهد النور في الرياض.
الجد والمثابرة والاجتهاد
السعودية كانت فترة قصيرة، وكل الظروف كانت مهيئة في بيئة انسجمت معها بشكل سريع، التحق معي بعض زملائي الذين كانوا معي في البحرين، التعليم كان منحة كاملة من وزارة التعليم السعودية، الدراسة كانت جيدة، فتجربة السعودية قديمة في هذا المجال، حتى أن بعض المدرسين كانوا مكفوفين كذلك، كانت البيئة مهيئة بشكل كبير بكل الإمكانيات. ترسخت في ذهني فكرة الشهادة التي ستكون سلاحا لي من أجل النجاح في الحياة، فلم يكن لدي خيار آخر سوى الاجتهاد. وأنا في السعودية ارتسمت لدي ملامح حبي للمجال التقني، فمن صغري كنت أحب الأجهزة والعبث بها، ولكن لم تتوفر لدي السبل للانخراط في هذا المجال، وفي فترة دراستي في البحرين لم تكن متوفرة الحلول التقنية لذوي الإعاقة البصرية كما هي عليه الآن، مثل الهواتف الذكية الخاصة بنا والبرامج والتطبيقات المساعدة وغيرها، كنا نستخدم أجهزة الهاتف المتنقل العادية، فقد كانت لغرض الرد على المكالمات فقط بحفظ مواقع الأزرار. وفي فترة وجودي في السعودية اندمجت في المجال التقني بشكل أعمق، وزاد شغفي للأجهزة التقنية وأصبحت أتتبع كل ما هو جديد، وتعلمت ذاتيا طرق تركيب البرامج وحل المشاكل المتعلقة بها، فأصبح زملائي يستعينون بي في هذا المجال، بالرغم من محدودية خبرتي.
إزالة الأمية التقنية
لله الحمد أنهيت الدراسة الثانوية بنسبة 94% ، حيث رجعت إلى السلطنة وانتهى الترحال. سجلت في برنامج القبول الموحد لإكمال الدراسات العليا، وتم قبولي في جامعة السلطان قابوس، بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية، لم تكن الكثير من التخصصات متاحة لنا نحن المكفوفين لدراستها، فتخصصت في قسم التاريخ فرعي صحافة، كنت أحب التاريخ ولكن رغبتي الشديدة كانت متعلقة بالمجال التقني، ولكن من الصعوبة بمكان أن أحصل على مقعد لدراسة تخصص متعلق بالمجال التقني، فسلمت بالأمر الواقع وانخرطت في قسم التاريخ، دخلت في تجربة جديدة من خلال وجودي في سكن ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين لديهم مختلف أنواع الإعاقات غير الإعاقة البصرية، هنا أتيحت لي الفرصة للتعرف على أنماط مختلفة من الناس.
بفضل الجامعة حصلت على كمبيوتر في السكن، حيث اجتهدت ذاتيا وقمت بتحميل برنامج قارئ الشاشة على جهاز الكمبيوتر، هنا في هذه الفترة بدأ التطور يظهر بشكل أكبر في مجال التقنية، وأصبحت مهووسا بهذه التكنولوجيا ومدمنا عليها، تعلمت بنفسي كل ما يتعلق بالإنترنت والإيميل والتصفح، حتى أصبحت أساعد الآخرين في التقنية. في عام 2009 ظهرت لدي بادرة لتأسيس منصة خاصة تجمع المكفوفين في العالم العربي، فأسسنا منتدى الإبداع، يشمل كافة قضايا المكفوفين بشكل عام، لاحظت أن المشاركات من عمان كانت قليلة، بسبب عدم توفر الوسائل وعدم دراية المكفوفين في السلطنة بالتقنيات الحديثة وتطوراتها، فقررت تحويل المنتدى حتى يكون خاصا لمساعدة المكفوفين في المجال التقني، وليصبح باسم “بلايند تك” ويكون موجها للعالم العربي، كنت المسؤول عن المنتدى من حيث الإشراف والتصميم وغيرها من الأمور الإدارية، حيث وظفت كل ما تعلمته بنفسي في هذا المنتدى، كان هدفي من خلال المنتدى هو إنشاء مجتمع نشط يقدم آخر الحلول التقنية للأشخاص المكفوفين غير القادرين للوصول إليها، ويكون مجتمعا يجمعنا لنساعد بعضنا البعض. في البداية كان للموقع صدى كبير في العالم العربي، وأصبح من المواقع المرجعية التي يلجأ إليها الناس من شتى دول العالم العربي، كبر المنتدى وأصبح يشمل أقسام متعددة، الكثير من المكفوفين يرجعون الفضل لهذا المنتدى في تعلمهم الكثير فيما يتعلق بالتقنية وتعرفهم على التكنولوجيا التي يمكن أن تساعد المكفوفين في استخدام الأجهزة المختلفة كالكمبيوتر والهواتف، كان هدفي إزالة الأمية التقنية عن الأشخاص المكفوفين بهذه الطريقة، ولله الحمد حققت الهدف الذي كنت أسعى إليه.
مكتبة خير صديق
ضمن أقسام المنتدى الإلكتروني قمنا بتأسيس مكتبة إلكترونية تجمع أكبر قدر ممكن من الكتب التي تتوافق مع برنامج قراءة الشاشة، الموقع استمر لمدة 10 سنوات كنت المسؤول عنه بشكل كلي مع أشخاص آخرين من السعودية والبحرين ولبنان ومصر، ثم في آخر ثلاث سنوات كبر حجم المكتبة وقررنا وضعها في موقع مستقل باسم “مكتبة خير صديق” لها فريق مختص في الإدارة وأنا فقط المشرف العام فيها، تعد أكبر مكتبة خاصة بالمكفوفين في الوطن العربي، فيها ما يقارب 3 آلاف كتاب. طريقة جمع الكتب لضمها إلى المكتبة ليست سهلة، فبعض الكتب نحولها يدويا بالطباعة، وكلنا متطوعين في هذا العمل، الكثير من الأشخاص ساعدونا في ذلك، حيث فتحنا المجال لكل شخص بأن يضيف أي كتاب يملكه، فمنهم من ساهم بعلاقاته الشخصية، في التواصل مع المؤلفين، وفي السنة الأخيرة جعلنا التسجيل مقتصر فقط على المكفوفين ليكونوا هم فقط المستفيدين من المكتبة، وهم من كل أنحاء العالم العربي، لا زال الموقع التقني موجودا والمكتبة موجودة ولكن نفكر في إغلاق الموقع التقني، لأن الرسالة التي كنا نريد أن نوصلها نرى بأنها قد وصلت، في البدايات كان المجتمع بحاجة إلى جهودنا ولكن الآن انتشرت التقنية بشكل كبير، وأصبح الناس أكثر وعيا وقابلية في تعلمها وإتقانها، نحن حققنا الرسالة في وقتها والآن دورنا قد انتهى في هذا المجال. كنت أشارك في الأنشطة داخل الحرم الجامعي، ساهمت في تأسيس مجموعة إبداع البصيرة، التي تخدم الأشخاص المكفوفين وضعاف البصر، هي موجودة حتى الآن.
بوابة عماننا الرقمية
بعد الدراسة الجامعية والتخرج، حصلت على فرصة للتدريب في هيئة تقنية المعلومات، هو كحلم وتحقق، فقد كنت شغوفا في كل ما يتعلق بالتقنية والتكنولوجيا، ففي الفترة السابقة علمت نفسي ذاتيا، وبفضل الأشخاص الذين كانوا معي في السكن ساعدوني كثيرا للتغلب على المشاكل التي كنت أواجهها، واستفدت كثيرا من شبكة الإنترنت، هيئة تقنية المعلومات طرحت أمامنا تحدٍ كبير، بإقامة دورة تدريبية للأشخاص المكفوفين، وفي حال إن نجحنا فسوف تتوفر لنا وظيفة في الهيئة، كنا أنا وزميلتي شيخة، إلتحقنا معهم لمدة شهر وأقمنا دورة تدريبية على قارئ الشاشة، لمدة 3 أسابيع، اجتهدنا فيها وكانت ناجحة حيث أعجب المسؤولين بالنتائج التي حققناها، لذلك تم تعييننا كموظفين في هيئة تقنية المعلومات، بفضل الله وتوفيقه بالرغم من دراستي لتخصص التاريخ ولكن تحقق حلمي في العمل بمجال التقنية التي أحبها. وأشكر الهيئة التي لم تنظر للشهادة وإنما قدّروا وعرفوا قيمة الموهبة التي أمتلكها وأستطيع العمل والإبداع فيها، الهيئة كانت لديها برنامج لمبادرة خاصة بالنفاذ الرقمي أو الأشخاص ذوي الإعاقة وتم تعييني للعمل في بوابة عماننا، وهي البوابة الرسمية للخدمات الحكومية، وأعمل ضمن مشروع النفاذ الرقمي، الذي يقوم على مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة، المكفوفين وضعاف البصر بشكل خاص، من خلال حرصنا على أن المواقع الحكومية مهيأة حتى يستطيع استخدامها المكفوفين بإستخدام قارئ الشاشة، وأيضا نقدم الدعم الفني للموظفين المكفوفين في الجهات الحكومية، إن كانوا بحاجة إلى مساعدة في بيئة العمل، وتوفير الأجهزة المناسبة والتدريب على البرامج وغيرها. أيضا نقوم بعقد الدورات التدريبية بالتعاون مع الجمعيات الخاصة للمكفوفين، ونحاول مساعدة الأشخاص الذين فقدوا البصر حديثا، فوضعهم صعب جدا، نحاول مساعدتهم للتكيف مع الحياة الجديدة، فنحن الآن في عصر الثورة التقنية الهائلة، وأرى بأننا نحن الأشخاص ذوي الإعاقة استفدنا، أكثر من المبصرين، من التطور التكنولوجي، هي سهلت لكم حياتكم ولكنها بالنسبة لنا نحن المكفوفين وجدت لنا حياة أخرى، فمن خلال التقنية أنا أستطيع التنقل والتعرف على الأشياء والقراءة والقيام بالكثير من الأمور، فهذه الأشياء التي أعرفها واستفدت منها أحاول أن أنقلها للآخرين ليستفيدوا منها.
تجربة الزواج والإنجاب
وفي خطى الشغف نحو التقنية تعاونت مع زملائي وقمنا بتأسيس شركة “رواد التقنيات المساعدة” هدفنا توفير منتجات خاصة للمكفوفين وضعاف البصر، نوفرها هنا في السوق العماني، لأنه لا توجد في السلطنة مؤسسة توفر هذه الخدمة، والمكفوفين بحاجة إلى جهة تزودهم بهذه الأجهزة، وأيضا على مستوى المؤسسات كذلك، فالتكلفة عالية عندما يقومون بجلبها من الخارج، الآن بدأنا في المشروع منذ أشهر قليلة فقط، لازلنا نواجه تحديات التأسيس في البداية.
بعد التحاقي بالوظيفة بعامين طرأت على حياتي فكرة الزواج، وذلك بسبب طبيعة سكني وحيدا في مسقط، لم تكن الحياة سهلة بالنسبة لي، في التنقل والتعامل مع الأمور، والمجتمع من حولي كان يستصعب الأمور أكثر مني، والكل كان يتساءل عند خروجي في الشارع والتنقل بواسطة سيارات الأجرة. تقدمت لأكثر من فتاة للخطبة ولكنني واجهت الرفض من قبل الأسر التي كنت أطرق بابها للزواج، أسرتي عاشت معي وكانت مدركة بمدى أهليتي للزواج، ولكن المشكلة تكمن في طريقة تفكير الناس بأن الحياة الزوجية ستكون صعبة إن عاشت ابنتهم مع زوج مكفوف. تقدمت لأكثر من فتاة وفي النهاية قبلت بي الفتاة التي أصبحت زوجتي الآن. تم القبول بموافقتها في المرة الثانية، بعد أن أتممنا الخطبة وكنا في مرحلة الاستعداد للزواج حجزت تذاكر لقضاء شهر العسل في ماليزيا، قمت بكل الحجوزات بنفسي، جاء الي شخص وهو في استغراب تام، يسألني إن كنت على وعيي في حجزي للسفر وينصحني بعدم الذهاب لأني مكفوف، وأن أتراجع عن الفكرة. ولكني أصررت على السفر، ولله الحمد تمت السفرة على خير، فأنا قد سافرت من قبل وجربت الغربة في البحرين، وفي السعودية.
نحن حياتنا جدا عادية كأي زوجين، وأمورنا طيبة في المنزل. حتى الأعمال المنزلية أقوم بها بنفسي، بتصليح خلل الكهرباء أو أنابيب المياه وغيرها، زوجتي ربة منزل وأنا المعيل للأسرة ولله الحمد أمورنا ميسورة وعلى أحسن حال. والآن لدي ابنة عمرها 4 سنوات. شريكة حياتي مبصرة وابنتي كذلك.
التطبيقات الذكية والمكفوفين
لدي حساب عبر تطبيق “تويتر” ونشط فيه، فبرنامج “تويتر” ساعدنا كثيرا نحن المكفوفين في طرح قضايانا ومشاكلنا، فهي منصتنا المفضلة لإيصال صوتنا. التطبيقات ساعدتنا كثيرا وسهلت علينا الكثير من الأمور في الحياة، فلدينا تطبيق لقراءة العملة وتطبيق يساعدنا على التعرف على الباركود وغيرها الكثير من البرامج المساعدة، أحببت التقنية لأنها منحتني حياة أخرى وساعدتني في تقديم العون للآخرين.
رسالتي الأخيرة أوجهها للأشخاص ذوي الإعاقة، وأقول لهم كل شخص يواجه صعوبات في الحياة، والإعاقة أمر لابد أن يتعايش معه الإنسان ويجعله وقودا لمواجهة التحديات، فالاستعانة بالتقنية تساعدهم كثيرا في تخطي الصعوبات، ونحن بحاجة إلى الصبر لمواجهة المجتمع حتى يستطيع فهمنا وتقبلنا، فتوعية المجتمع والتعريف بقدرات ذوي الإعاقة هي مسؤوليتنا نحن لإيصال هذا الوعي، بالرغم من أن الوضع اختلف كثيرا الآن مقارنة بالأعوام العشر الماضية ولكن لابد لنا أن نتحمل المجتمع حتى يصلوا إلى الوعي الكافي حول كيفية مشاركتنا وتقبلنا في المجتمع بشكل أكبر.