لا يزال هناك اليوم أكثر من 150 مليون كفيف حول العالم يستخدمون طريقة برايل. كما تبرز أهمية هذه الطريقة في مساعدتها للمكفوفين على تعلم القراءة والكتابة حيث تمكنهم من تعلم تهجئة الكلمات وعلامات الترقيم وكيفية تنسيق النصوص. كما يستخدم المكفوفون طريقة برايل لقراءة القرآن الكريم والكتب والدوريات المختلفة وتدوين الملاحظات عبر المفكرات الإلكترونية إضافة إلى تقديم العروض والمحاضرات وإجراء العمليات الحسابية هذا إلى جانب الاستمتاع بالألعاب والتعرف على الأدوية والملصقات وقوائم الطعام والنوتات الموسيقية.
إن برايل هي طريقة للقراءة والكتابة تعتمد على لمس النقاط البارزة التي يتعرف عليها المكفوفون بمجرد تمرير أصابعهم عليها. وقد تم اختراعها في منتصف القرن التاسع عشر وحصلت على اسمها من اسم مؤسسها الفرنسي لويس برايل. وهي ليست لغة كما يسميها البعض، لكنها نظام ترميز يمكّن المكفوفين من القراءة والكتابة بلغات مختلفة مثل العربية والإنجليزية والفرنسية. ومن الجدير بالذكر أنه قد تم تطوير طريقة برايل باللغة العربية في عام 1951 وهي اليوم تُقرأ من اليسار إلى اليمين وليس العكس وذلك لتتماشى مع تنسيق قراءة برايل في جميع اللغات.
وتعزيزاً لدوره كمركز رائد في الابتكار في مجال نفاذ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات باللغة العربية في المنطقة والعالم، وفي إطار برنامج مدى للابتكار، أطلق مركز مدى في عام 2019 ولأول مرة في العالم العربي، مشروع برايل العربي الموحد، والذي يهدف إلى إنشاء مرجع شامل متكامل للمكفوفين في العالم العربي. وقد جرى العمل على هذا المشروع في عامي 2019 و 2020 باتباع أحدث التوجّهات وأفضل الممارسات الدولية التي تنسجم مع أهداف التنمية المستدامة 2030 وتدعم تحقيق أهداف استراتيجية التنمية الوطنية. ويعود هذا المشروع بالفائدة على المكفوفين والصم المكفوفين والخبراء والمعلمين والطلاب ومطوري البرمجيات ومصنعي التكنولوجيا المساعدة في قطر وخارجها.
ويتضمن المشروع أول بوابة إلكترونية متخصصة بلغة برايل العربية الموحدة تحتوي على مجموعة من المصادر والدروس حول طريقة برايل العربية. وكان الغرض من هذه البوابة هو توفير محتويات رقمية للمكفوفين والراغبين في تعلم نظام برايل العربي. كما توفر البوابة منصة لمناقشة المشاكل المستجدة واقتراح ميزات جديدة للنظام الحالي. وتمثل هذه البوابة أول موقع إلكتروني متخصص بلغة برايل العربية الموحدة يحتوي على مراجع تفصيلية حول استخدام طريقة برايل العربية البسيطة والاختصارات والرياضيات والعلوم وطريقة برايل الحاسوبية المكونة من 8 نقاط، بالإضافة إلى دروس مبسطة لتعلم القراءة والكتابة بطريقة برايل العربية.
ومن جهة أخرى، فقد حققت الجهود البحثية المتميزة لفريق العمل نجاحاً باهراً تمثل في تطوير أول جدول حاسوبي عربي مكون من 8 نقاط بطريقة برايل لدعم اختصارات برايل في مجالات الرياضيات والعلوم. ويعد هذا الجدول إضافة هائلة من شأنها أن تساعد مستخدمي شاشات برايل وبرامج الحاسب الناطقة في استخدام أكثر سلاسة لطريقة برايل.
وفي مبادرة استثنائية تمكن هذا المشروع من توفير أوّل مكتبة برمجية (Liblouis) تعتمد على جدول برايل العربي لتنمية مهارات الكتابة والقراءة بطريقة برايل لدى الأشخاص المكفوفين والمكفوفين-الصمّ. وهذه المكتبة هي أداة مجانية ومفتوحة المصدر توفر التحويل والتحويل العكسي وتنسيقات برايل للعديد من اللغات، وتتكون من مجموعة من الحزم المصممة للاستخدام في العديد من التطبيقات والأجهزة سواء كانت مجانية أو تجارية. كما تم إنشاء الجدول العربي من الصفر ليتم بعدها تضمينه في مكتبة برمجيات لبلويس. ويسمح هذا الأمر بكتابة اللغة العربية وعرضها بنظام الاختصارات، كما يتضمن هذا المشروع جميع الاختصارات العربية التي تم اعتمادها في مؤتمر برايل العربي بالرياض عام 2002.
وحرصاً من مركز مدى على ضمان جودة المشروع، ومواكبته لاحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في العالم العربي، قام مركز مدى بإنشاء استبيانات قياس الأثر ليتم توزيعها في 2022 بشكل دوري على المستفيدين في العالم العربي بنسخ إلكترونية. ومما لا شك فيه أن هذه الاستبيانات ستساعد مطوري المشروع من فريق الابتكار في مركز مدى للوصول به إلى الجودة المطلوبة. حيث أن إشراك الأشخاص المستهدفين في مختلف مراحل تطوير وتقييم المشروعيعد أحد المبادئ الرئيسية لعمل برنامج مدى للابتكار لضمان تحقيق الأثر المطلوب على أرض الواقع.
لقد ساهمت هذه البوابة بعد إطلاقها الناجح في تقليص نسبة الأُمية بين ذوي الإعاقة البصرية وتعزيز قدرتهم على الكتابة والقراءة بطريقة برايل مما أتاح الفرصة أمامهم لزيادة المعرفة والحرية الفكرية والتمتع بتكافؤ الفرص في مختلف المجالات. وسيتم الانتهاء من هذا المشروع المتميز في الربع الرابع من عام 2022، بالتوازي مع سعي مركز مدى في الفترة القادمة لعقد مؤتمر دولي لتوحيد رموز لغة الإشارة “بريل” في العالم العربي عبر اعتماد “برايل العربي الموحد” كمرجع وحيد.
اترك تعليقاً